إلي أي مدي يسيطر الفساد علي بيئة الإستثمار في مصر؟ وما هي الفئات التي تعتمد علي الأساليب غير القانونية في تسهيل وإنجاح مشروعاتهم الصغيرة والمتوسطة؟ أسئلة كشف عن إجابتها إستطلاع أجراه مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام بالتعاون مع مركز المشروعات الدولية الخاصة.
اجرى الاستطلاع خلال الفترة من 21 أبريل وحتي 14 مايو 2009؛ علي عينة قوامها 800 حالة من صغار ومتوسطي مشروعات الأعمال موزعين علي ست محافظات هي القاهرة والإسكندرية وبورسعيد والغربية والدقهلية والمنيا، بواقع 250 مشروعاً من محافظة القاهرة، و150 من محافظة الإسكندرية و100 مشروعاً من كل من المحافظات الأربع الأخري.
تكشف نتائج الإستطلاع عن وجود تصورات وإنطباعات غير دقيقة لدي المتعاملين مع الإدارات الحكومية ذات الصلة، إلا أن ذلك لا يعني أن أداء الإدارات الحكومية أفضل مما يظن المواطنين أو العكس، لكنه يعني أن الخبرة الفعلية للتعامل مع الإدارات الحكومية لا تتطابق في مرات كثيرة مع المتوقع عن هذه الخبرة. وبحسب الخبرة الفعلية لعينة البحث، فقد رأي 19.2% من حجم العينة أن التعامل مع الإدارات الحكومية سهل. بالمقابل، فقد جاءت الخبرة الفعلية للتعامل مع الإدارات الحكومية صعبة في رأي 47.3% من المستثمرين المشمولين في العينة.
ويلفت الدكتور جمال عبد الجواد رئيس برنامج إستطلاعات الرأي بمركز دراسات الأهرام، إلي أن الهدف الرئيسي من الإستطلاع هو وضع مجموعة من القواعد في شكل وثيقة تقلل من حجم المدفوعات غير القانونية المتمثلة في الرشاوي والإكراميات، لذا فهو موجه إلي كلا من الحكومة واصحاب الأعمال علي حد سواء.
ويعتبر عبد الجواد تقديم مدفوعات غير قانونية، الرشاوي والإكراميات، لموظفين عموميين في الإدارات المعنية بترخيص ومتابعة الأعمال هي أبرز مظاهر الفساد في العلاقة بين أصحاب الأعمال والإدارات الحكومية، وتبلغ نسبة تقديمها في مرحلة التأسيس 42.9%؛ بينما تنخفض هذه النسبة في مرحلة التشغيل إلي 29.1%. ويري عبد الجواد أن هذه النسب تعد مرتفعة وغير مشجعة لقطاع الأعمال، وإن كانت أقل من الصورة الشائعة لدي كثير من المواطنين.
يقسم البحث المتعاملين مع الإدارات الحكومية من أصحاب المشروعات بين أربع فئات أكبرها فئة من لم يفكروا في مسألة تقديم مدفوعات غير قانونية لموظفين عموميين قبل الشروع في إجراءات تأسيس مشروعاتهم، وأصغرهم هي فئة من كانوا مستعدين منذ اللحظة الأولي لتقديم مدفوعات غير قانونية لموظفين عموميين.
ويشير عبد الجواد إلي وجود تفاوت كبير بين سلوك الفئات الأربعة، فأغلب من كانوا مستعدين لتقديم مدفوعات غير قانونية قاموا بالدفع فعلا، وهي النسبة التي بلغت 74.1%من هذه الفئة. تلا ذلك فئة من كانوا مستعدين للتكيف مع الموقف، إذ قام 58.2% منهم بتقديم مدفوعات غير قانونية. وفي الفئة الثالثة، فئة من لم يفكروا في الأمر من قبل، لم تزد نسبة من قاموا بالدفع عن 27.1%، تلاهم في ذلك فئة من كانت لديهم الرغبة في المقاومة، والتي بلغت نسبة من قاموا بالدفع بين أعضائها 39.4%.
وطبقاً لنتائج الإستطلاع، فإن الوعي بشيوع الرشاوي والإكراميات وكافة اشكال المدفوعات غير القانونية يجعل الراغب في المقاومة مستعد للتسليم إذا ظن أن مقاومته ليست إلا معركة خاسرة، وذلك علي عكس المواطنين غير المدركين لشيوع هذا السلوك لدرجة أنهم لم يفكروا في الأمر قبل الشروع في إجراءات تأسيس المشروع، ويبدو أن عدم الإدارك هذا ساعد أعضاء هذه الفئة علي تفسير الإشارات التي تلقوها من الموظفين العموميين بطريقة لاتتضمن رغبة الموظفين العموميين في تلقي مدفوعات غير قانونية، الأمر الذي قد يفسر انخفاض نسبة من قاموا بتقديم مدفوعات غير قانونية بين أعضاء هذه الفئة.
لكن، الإستنتاج الأكثر أهمية هنا هو أن المدفوعات غير القانونية التي يتلقاها موظفون عموميون ليست من نوع الممارسة الإجبارية التي تأخذ شكل الإتاوة المفروضة علي كل المتعاملين، إذ يبدو أن المواطنين الذين يتمسكون بحقهم في استكمال معاملاتهم مع الجهات الحكومية دون تقديم أي مدفوعات غير قانونية يظلوا قادرين علي تحقيق هدفهم وفي زمن قصير نسبياً وبقدر أقل من التعقيدات. أما ما يحدث من قيام موظفين عمومين بالحصول علي مدفوعات غير قانونية إنما هو نوع من الممارسة الإنتقائية التي يتعرض لها أصحاب أعمال لا تتوافر في مشروعاتهم بعض الشروط المنصوص عليها في اللوائح والقوانين، أو الذين تقع مشروعاتهم في منطقة رمادية بين النصوص تحتمل الكثير من التفسير والتأويل.
السؤال، كيف نحد من هذا الفساد المعوق للإستثمار والتنمية الإقتصادية في مصر؟ يجيب الإستطلاع بأن الحد من الفساد في المعاملات الحكومية يمكن أن يتحقق عبر عدة أساليب أولها إشاعة المعرفة المتعلقة بشروط تأسيس المشروعات، مع تشجيع المواطنين الذين تتوافر في مشروعاتهم الشروط المطلوبة علي عدم تقديم أي مدفوعات غير قانونية، وطمأنتهم بأن ذلك لن يؤثر علي فرصتهم في تأسيس مشروعاتهم، كما لن يجعل عملية التأسيس أكثر تعقيداً كما هو شائع بين المواطنين. بالإضافة إلي ضرورة إزالة الغموض في اللوائح والقوانين المنظمة لأنشطة قطاع الأعمال، ومراجعة الإجراءات بحيث يتم استبعاد الشروط غير الضرورية أو التي أصبحت قديمة وغير منطبقة علي المرحلة التي يمر بها الاقتصاد المصري أو التي يصعب توفيرها.